فتحت أمل بوشارب الروائية والمترجمة الجزائرية المقيمة في إيطاليا قلبها للجريدة الالكترونية “Maghreb plus” وتحدثت عن جديدها قدمت رأيها في العديد من المواضيع، فـ أمل بوشارب تعد أعمالها من الأكثر دراسة في الجامعة الجزائرية لأبناء جيلها في السنوات الأخيرة. صدر لها العديد من الأعمال الروائية والقصصية باللغتين العربية والإيطالية، وترجمات لأزيد من عشرين شاعرا وكاتبا إيطاليا. شاركت بداية الأسبوع الماضي في الملتقى الدولي “جماليات النص العربي المعاصر وأسئلة التحوّل” الذي عقده معهد الآداب واللغات في جامعة تيبازة، بحضور لفيف من الروائيين، النقاد والباحثين من الجزائر، العالم العربي، إيطاليا وألمانيا، وكان لنا معها هذا الحوار:
حدثينا عن مشاركتك في هذا الملتقى ؟ وعن موضوع مداخلتك ؟
ملتقى “جماليات النص العربي المعاصر وأسئلة التحوّل” كان يفترض أن يُعقد حضوريا في وقت سابق هذه السنة، إلا أن الظرف الصحي العالمي فرض على جامعة تيبازة تنظيمه على منصة رقمية، وهكذا أتت مشاركة كل ضيوف الملتقى من خلال تقنية التحاضر المرئي على منصة زوم. وقد جمعتني ندوة حوارية في اليوم الأول مع الروائي السوداني أمير تاج السر والروائي السوري خالد خليفة في جلسة أدارها رئيس الملتقى د. مصطفى سداس. وقد دار الحديث عن التحولات المعرفية والتكنولوجية والسياسية الحاصلة في العالم وتأثيرها على الأدب العربي، لاسيما آثار الحروب والنزاعات واستبدادها بصورة الأدب العربي في الغرب. وطبعا قادنا الحوار إلى الحديث عن دور الترجمة ومراكز البحوث الغربية في صياغة صورة جديدة للأدب العربي المعاصر.
بالحديث عن التطورات التكنولوجية وأثرها على الأدب، هل الكتاب سينقرض حسب رأيك وكيف تتعاملون مع هذا الإشكال؟
برأيي الكتاب لن ينقرض أبدا. ستتقلص مساحته الورقية لا محالة لصالح الكتاب الإلكتروني وهو ما نشهد عليه منذ سنوات، لكن السؤال الحقيقي باعتقادي يتعلق بمدى قدرة الحكومات العربية على سن تشريعات تحمي حقوق النشر الإلكتروني، ووضع حد لقرصنة الكتب. وربما السؤال الأكبر يتعلق بآليات صناعة الكتاب في العالم العربي في الوقت الراهن. فإن كان هذا القطاع تحميه في الغرب قوانين رأسمالية صارمة، إلا أنه في الدول العربية يندفع منذ سنوات إلى فكرة المشاع والمجانية. هل سيستسلم الناشرون إلى هذه المعادلة، لنجد أنفسنا أمام صناعة تمولها وزارات الثقافة على نحو كامل لإنقاذ سوق كاملة من الانهيار، وهو الحل الذي قد لا يكون مثاليا لضمان فصل السلطة عن المثقف، أم أن القراء سينتبهون إلى ضرورة حماية استقلالية دور النشر من خلال العودة لاقتناء الكتب بدل قرصتنها على الانترنت، وتفعيل دورة حياة طبيعية للكتاب؟ هذا الأمر يبقى برسم القراء ومدى وعيهم بانعكاسات أدائهم الاستهلاكي على هذا القطاع الحساس.
بما أنكم تحدثتم خلال الملتقى عن صورة الأدب العربي في الغرب، ما رأيك في مكانة اللغة العربية دوليا مقارنة مع باقي اللغات الأخرى؟
اللغة العربية من أهم اللغات العالمية، ولا يخفى على أحد أنها إحدى لغات الأمم المتحدة وهذا يجعلها تواكب التطورات العالمية بفضل جهود مترجمين يعملون باستمرار على استحداث مصطلحات تساير التخصصات الجديدة التي يعرفها العالم. وأنا شخصيا أشعر بالفخر لأنني درست الترجمة على يد مترجمين كبار أحدهم أول من أدخل اللغة العربية إلى مقصورات الترجمة الفورية في الأمم المتحدة، وكان المترجم الشخصي لجمال عبد الناصر، الأستاذ فالح عبد الله. وكذا الأستاذ محمد الخولي أحد كبار مترجمي اللغة العربية في الأمم المتحدة حاليا، وغيره من المترجمين التقنيين والعلميين ومطوري برامج الترجمة كالدكتور نبيل علي الذي أحيت غوغل ذكرى وفاته مؤخرا، وكذا المبرمج والباحث اللغوي العراقي الكبير عدنان عيدان، ومترجما الفلسفة والعلم الكبيران المرحوم مصطفى ابراهيم فهمي، وشوقي جلال، والذين تعلمنا على أيديهم جميعا أن اللغة العربية لغة مرنة وقادرة على مجاراة التطورات المتسارعة في العالم. هؤلاء هم من يحمي حاليا اللغة العربية ويضمن بقاءها في الساحة العالمية، وعدم انقراضها. بالمقابل أرى أن الخطر الأكبر على اللغة العربية يأتي الآن للمفارقة من بوابة الأدب المعاصر، حيث أن أكبر التحديات التي تواجه اللغة هو حصر الكتاب العرب لها مؤخرا في قاموس محدود من البكائيات. وهو التوجه الذي لا يتوقف خطره على حبس اللغة العربية ضمن مفردات واحدة هي التوجع والألم، بل يؤدي إلى تكريس منطق التشظي والخراب الداخلي من داخل البنيات النصية التي يفترض أن تتطور اللغة من خلالها، وهو من شأنه أن يحول اللغة العربية إلى منظومة لسانية لا تصلح للتعبير عن مختلف أوجه الحياة على نحو خلاق بقدر ما هي تنفيس وجداني عقيم يحوم حول مواضيع مكررة. وقد يعود سبب ذلك في جزء كبير منه لإرضاء متطلبات السوق الأوروبية لآداب إيكزوتيكية معاصرة تنهل مفرداتها حصرا من قاموس الإضطهاد والحروب. ليبتعد بذلك الكتاب والشعراء ـ وهو من يفترض أن يكونوا حاملي لواء اللغة في أي ثقافة ـ عن مفردات لغة القرن الواحد والعشرين المستخدمة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية حيث تصدر يوميا أعمال أدبية توظف لغة علمية ذكية، وأخرى تؤثث فيها اللغة فضاءات درامية قائمة على حبكات رياضية معقدة، هذا عدا عن تنوع المواضيع المطروقة في الآداب الغربية والتي تمس الاقتصاد والفن والبيئة ومختلف أشكال الحياة، بعيدا عن فكرتين مكررتين لا ثالث لهما في العالم العربي: “حرب مدمِّرة”، و”امرأة مضطهدة”، وهما الموضوعان اللذان لا يبدو أن الأديب العربي المعاصر يفكر في توسيع قاموسه اللغوي خارجهما في أقرب وقت، أو توظيفهما على الأقل في بنيات نصية محسوبة الحركات. هذا النوع من الممارسة اللغوية يمكن اعتباره خلية سرطانية، بدل أن تقوم بضخ الحياة في الثقافة التي تنتمي لها، نراها تفتت الجسد الذي تسكنه وتقطع علاقته بالحركية الطبيعية للغات العالمية وآدابها. وفي مواجهة هذه الوضع المؤسف الذي نشهده من فعل الإفقار الداخلي للغة العربية من لدن كتاّبها الذين يتجهون في أغلبهم إلى تكريس الخراب المحيط بهم من خلال نصوصهم، بدل مقاومته والثورة عليه لغويا، تبقى الترجمة من اللغات الأجنبية هي الوسيلة الأكثر فعالية لتجديد اللغة، حيث أنها حاليا تعمل كجهاز أكسجين لإبقاء اللغة العربية على قيد مواكبة التطورات العالمية، سواء في عالم الأدب، العلم الفكرة أو الفلسفة. لذا وجب التنويه بدور المترجم العربي الذي يساهم كل يوم في إثراء لغتنا بمفردات الحياة المتجددة، بعيدا عن مفردات الدمار أحادية اللون والوجهة التي بدأ الكتاب العرب بتكريسها على نحو مثير للقلق.
يقال كل ترجمة خائنة فكيف تتعاملين مع الترجمة من النص الأصلي الى المصدر وأنت من صدر لكِ ترجمات عديدة لشعراء وكتاب إيطاليين؟
أعتقد أنه من المهم بمكان أن نفتح فعلا حوارا حقيقيا عن خيانات المترجم في سياق أوسع يتجاوز السياق الضيق لخيانات النصوص من الداخل وهو موضوع قُتل بحثا، ذلك أن الخيانات الأسوأ التي نسكت عنها غالبا هي الأكثر تأثيرا وتضليلا للقارئ، وتبدأ من اختيار نصوص لا تعكس نبض الثقافة التي نترجم عنها. وهذه الخيانة هي الأكثر رواجا عندما يتعلق الأمر بترجمة الأدب العربي مثلا، وتتم عادة للترويج لأجندات إيديولوجية وسياسية معينة تحددها مراكز البحث الأوروبية. من ناحيتي ومن أجل توخي الأمانة في الترجمة عن الإيطالية أحرص أولا على اختيار النصوص التي تعكس حقيقة الساحة الأدبية من خلال الاستماع لمستشارين ومحررين معروفين، معتمدة على شبكة علاقات تعمل مباشرة مع دور نشر إيطالية (لا تنشر بمقابل) ومراكز بحث جادة في شمال وجنوب ووسط إيطاليا لضمان تقديم صورة بانورامية نزيهة للمشهد الإيطالي وانتقاء النصوص التي تعكس فعلا حقيقة هذه الثقافة. لكن قد يحصل أن يخطئ المترجم خلال مسيرته في اسم أو اسمين والأهم ألا تطغى هذه الأسماء على نتاجه، وألا تكون الإيديولوجيات الضيقة هي بوصلته.
ما هو جديدك لعام 2021، هل لديك اصدارات جديدة؟
لديّ في الجزائر رواية جديدة ستصدر عن منشورات الشهاب التي أسعد دوما بتجديد التعاون معها، كما سيصدر لي من ميلانو ترجمة “سكرات نجمة” بتوقيع المترجمة القديرة يولندا غواردي وحسين بن شينة.
سيرتها
خريجة قسم الترجمة بجامعة الجزائر، حاصلة على ماجستير في الترجمة تخصص عربي-إنجليزي- فرنسي، عملت بين عامي 2008 و2014 أستاذة في قسم اللغة الإنجليزية بالمدرسة العليا للأساتذة آداب وعلوم انسانية ببوزريعة في الجزائر. أشرفت بين 2013 و2014 على رئاسة تحرير مجلة أقلام الصادرة عن اتحاد الكتاب الجزائريين. لها مساهمات نقدية منشورة في صحف ومجلات محكّمة في موضوعات الترجمة والأدب، بالجزائر والعالم العربي وتكتب باللغتين العربية والإيطالية.
مواضيع كتاباتها
تخوض الكاتبة في أنماط سردية غير مستهلكة في الأدب العربي وتطغى فكرة كسر الثنائيات الضدية على كتاباتها على غرار الأنا والآخر، العلم والأسطورة، الثقافة الشعبية مقابل الثقافة النخبوية. كما تعد النسوية وما بعدها من موضوعاتها البارزة بالإضافة إلى التعددية الثقافية.
أسلوبها
تتميز كتابتها بلغة عصرية وحيوية توظف لغة ساخرة ولاذعة تارة وشعرية تارة أخرى ، كما توظف تقنيات كتابات التشويق بالإضافة إلى التناص، وتقنية تعدد الأصوات ويعد النص المفتوح على مستويات عدة للقراءة أهم سمة في كتاباتها.
التلقي الجماهيري لأعمالها
اعتبرت من بين الكتاب الأكثر مبيعا خلال الصالون الدولي للكتاب بالجزائر في دورته العشرين، مع اصدار عملها سكرات نجمة مع منشورات الشهاب. كما لقيت روايتها ثابت الظلمة الصادرة عام 2018 في إطار اللقاءات الأفرو متوسطية للكاتبات الشابات اقبالا وصف بغير المسبوق. واعتبرته الصحافة الجزائرية اصدارا صنع الحدث في الدخول الأدبي لعام 2018.
التلقي النقدي
شكلت روايتها سكرات نجمة موضوع لرسائل ماستر في جامعات جزائرية مختلفة بين 2015 و 2018 ووصلت الرواية للقائمة القصيرة لجائزة محمد ديب الأدبية عام 2016 و جائزة آسيا جبار للرواية عام 2015 .أما روايتها الثانية ثابت الظلمة فوصلت للقائمة القصيرة لجائزة يمينة مشاكرة للرواية النسوية عام 2019 كما اعتبر الناقد الأدبي محمد الأمين بحري روايتها الأولى رواية تأسيسية في المتن الروائي الجزائري والعربي من حيث اعتماد تقنيات غير مطروقة اعتبرها الناقد والأكاديمي الجزائري براءة ابتكار فني في هذا الجنس للروائية أمل بوشارب، حيث اعتبر العمل مكون بنيوي جديد في مسار الرواية البوليسية العربية.
الجوائز والتكريمات
تم تكريمها في الملتقى الدولي للرواية عبد الحميد بن هدوقة عام 2016 من وزارة الثقافة الجزائرية. كما حصلت على جائزة مزغنة للابداع الأدبي من اتحاد الكتاب الجزائريين عام 2013. وجائزة القصة القصيرة في المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب عام 2008.
إصداراتها
بالعربية:
عليها ثلاثة عشر مجموعة قصصية صادرة سنة 2014 منشورات الشهاب الجزائر
سكرات نجمة رواية صادرة سنة 2015 منشورات الشهاب الجزائر.
من كل قلبي رواية لليافعين صادرة سنة 2016 منشورات ANEP المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار والاتصال الجزائر
ثابت الظلمة رواية صادرة سنة 2018 منشورات الشهاب. الجزائر.
بالإيطالية:
L’odore. 2018. Buendia Books. Italia
L’anticonformista. 2019. Buendia Books. Italia