TNالرئيسية

في عتمة الظلام.. بسمة أمل تحيط ذوات الإعاقة

بلغ عدد حاملي بطاقة الإعاقة بتونس سنة 2021 حسب المعطيات التي أعلنتها وزارة الشؤون الاجتماعيّة 276 ألف، ولا وجود لإحصائيات دقيقة عن النساء ضمنهن رغم تميزهن في مجالات عديدة كالفنون والرياضة والدراسات الجامعية والمشاركة في الشأن العام. وعلى الرغم من تنصيص الفصل 48 من دستور 2014 على حقوق ذوي الإعاقة في الانتفاع بكلّ التّدابير التّي تضمن لهم الاندماج الكامل في المجتمع، تبقى التشريعات الخاصة بالنساء من ضمنهم منقوصة وهياكل الإحاطة بهن دون المستوى. وفي السنوات الأخيرة، التحقت العديد منهن بمنظمات المجتمع المدني ليس ابتغاء إحاطة فحسب، بل للعب دور المواطنة الفاعلة وكذلك ليكن صوت من لا صوت لهم.   
بسمة السوسي، هي إحدى ذوات الإعاقة التي اختارت هذا الطريق. هي ناشطة جمعيّاتية ونائبة رئيس جمعية إبصار لثقافة وترفيه ذوي وذوات الإعاقة البصرية التي أكّدت لنا انّ وضعيّة النساء من ذوات الإعاقة صعبة جدّا، فهن يعانين تمييزا مضاعفا. فالنساء ذوات الإعاقة حسب رأيها “مغيّبات من البرامج حتى على مستوى القوانين التي لا تحفظ حقوق الإنسان لأنها لا تذكر بدقة خصوصيات النساء ذوات الإعاقة وبالتالي لا تضع الآليات الضرورية لحماية حقوقهن”.بسمة التي كانت تعمل كأستاذة لغة إنجليزية، فقدت بصرها في سن السادسة والثلاثين بعد تعرضها لانهيار بصري حاد بسبب مرض وراثيّ بينما كانت في بعثة عمل بدولة الامارات العربية المتّحدة اضطرّت للعودة إلى أرض الوطن لتواجه حياتها منحا جديدا. سكنها بداية هاجس مواجهة مسؤولياتها العائلية. وقررت “رغما عن أنف الإعاقة” السهر على تربية وتدريس ابنتيها وعلى الحفاظ على بيتها. وبعد أن حددت هدفها، سكنها هاجس الإحباط الذي، لم يتمكن منها وهي الباحثة أبدا عن النقطة المضيئة في عتمة الظلام الذي تعيشه إلى أن اكتشفت نشاط المجتمع المدنيّ الذي انتشلها من سنوات من الانغلاق على نفسها ومن العزلة عن محيطها الخارجيّ.

الإعاقة لا تحجب النجاحات انخرطت بسمة بجمعية إبصار لثقافة وترفيه ذوي وذوات الاعاقة البصرية بعد أن اكتشفت الدور الذي تلعبه المنظّمات والجمعيّات في الإحاطة بذوي الإعاقة وتأطيرهم، فزادت إصرارا على تخطي إعاقتها وآمنت بدورها كفاعلة في مجتمعها. ليس هذا فحسب، بل إنها وضعت نصب عينيها الحرص على تقديم صورة جديدة للمرأة الكفيفة تقطع مع الصورة المتداولة. ففقدانها للبصر جعلها تفتح عينيها على عدة مجالات للعمل على تحسين حقوق النساء التونسيات. فدعّمت مهاراتها وقدراتها عبر الدورات التكوينية في القيادة التغييرية التي تلقّتها في مركز المرأة العربية للتدريب و البحوث “كوثر” الذي تعتبره “عائلتها الثانية”. تكوين دفع بسمة إلى مزيد التعمق في مجال حقوق المرأة والعمل على ترسيخ هذه الحقوق.التكوين، الورشات والنشاط ضمن المجتمع المدني، ساعدوا بسمة كما ساعدوا غيرها من حاملات الإعاقة على مواجهة صعوباتهن وتحقيق ذواتهنّ لتنجح الكثيرات منهن في عدّة مجالات. اذ تمكنت بسمة في مدة لا تتجاوز بضعة أشهر من فرض وجودها عبر أنشطة الدفاع عن حقوق المرأة ذات الاعاقة بصفة خاصة والمرأة بصفة عامة و تم ترشيحها كعضوة في فريق مناصرة الأشخاص ذوي الإعاقة لدى المفوضية السامية لحقوق الانسان.

 كما نجحت بسمة في التنسيق مع مركز المرأة العربية للتدريب و البحوث “كوثر”  لمشروع “لازم” حول مشاركة النساء ذوات الإعاقة في الشأن العامّ والحياة السّياسيّة. مشروع تم من خلاله تنظيم عدة دورات تكوينية للنساء ذوات الإعاقة من فئات عمرية مختلفة لتمكينهن من الاندماج في الحياة السياسية كتدريبهن على اخذ الكلمة والتأثير في المجموعة. مشروع أضاف الكثير الى تجربة بسمة و للنساء اللواتي انخرطن فيه. “عندما كنت انسق لمشروع “لازم” كنت اتعلم أشياء كثيرة و نتيجة هذا لمشروع كانت وجود و ترشح عدد من النساء و الرجال ذوي الإعاقة و نجاحهم و تواجدهم في البلديات وهو في حد ذاته مكسبا”، على حد تعبير بسمة  التي اكدت لنا ان تغيير الصورة النمطية للأشخاص ذوي الإعاقة من أناس محتاجين للمساعدة و الاعانة و الاقتصار على الاحساس بالشفقة نحوهم الى الايمان بدورهم في المجتمع و بقدرتهم على التغيير و كطاقات فاعلة و قادرة على صناعة القرار لا يكون الاّ عبر العمل داخل المجتمع المدني و عبر دخولهم لعالم السياسة و تمكينهم من الولوج الى مراكز القرار.وشاركت في صياغة دليل العنف الجنسي المسلّط على النساء ذوات الإعاقة في المغرب مع منظمة الأمم المتحدة للسكان. كما مثّلت تونس في المؤتمر الدولي حول الإعاقة المزدوجة بالدوحة وفي المؤتمر الدولي حول دور المرأة الكفيفة في الاعلام بالدوحة. كما وقع اختيارها في ماي 2018 كمرافقة لمنتخب الأبطال في كاس العالم بروسيا في إطار تكريم لثلة من الناشطين والفاعلين في المجتمع. اختيار قابلته موجة من الانتقادات تقول بسمة ” انتقد الكثيرون اختياري كمرافقة للمنتخب وتعرضت للتنمر وللسخرية لأنني امرأة و كفيفة “.وعلى الرغم من الانتقادات المتواصلة، نجحت بسمة في تمثيل تونس في عدد من التظاهرات العربية والعالميّة ورسمت صورة جديدة للمرأة الكفيفة وللأدوار التي تلعبها في المجتمع.”أريد أن أكون جزءا من تاريخ تونس”بسمة آمنت كذلك، بدور الإعلام في التغيير وفي بناء صورة جديدة تقطع مع الصّورة المتداولة للمرأة الكفيفة، فخاضت مجاله من خلال تقديمها لبرنامج “بسمة أمل” الذي يبث على إذاعة جمعيّاتية ويعنى بحقوق النساء وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويقدم شهادات حية لعدد من النساء اللواتي تلعبن دورا هاما في مجتمعاتهن. فقدّمت من خلال برنامجها أكثر من 250 قصّة نجاح أمضتها تونسيات حاملات لإعاقات مختلفة لتكشف عن الجانب المضيء في عالم الأشخاص ذوي الاعاقة المليء بالمصاعب في محيط غير مهيئ. و تعيش اليوم الناشطة الجمعياتية تجربة جديدة مع منظّمة السّلام الدولية، إذ كلفت برئاسة لجنة تكافؤ الفرص و الإدماج ضمنها، لتنطلق في العمل على عدد من المشاريع التي تهتم بحقوق الأطفال و تعزيز قدرة المرأة على الأدوار الريادية و هي برامج تسعى من خلالها إلى تمكين المرأة من نفس الفرص التي يمكن أن تتوفر للرجال و ترسيخ مكانتها كفاعلة في المجتمع.بسمة أّكدت أنّ تغيير واقع المرأة بصفة عامّة والمرأة ذات الإعاقة بصفة خاصة، يتطلّب وعياً بضرورة التغيير وتغيير العقليات التي تمثلت صورة سلبيّة لذات الإعاقة وقدّمتها كعالة على المجتمع. كما تسعى لمحاربة تلك العقلية الذكورية التي تحصر دور النساء في الواجبات المنزلية والعناية بالأطفال، مؤكدة أن ذلك لن يتحقّق إلا عبر العمل والنضال المستمر والعمل على الإصلاح من الداخل عبر زرع قيم جديدة ترقى بالمراة منذ صغرها. صورة غرستها بسمة في ابنتيها اللتين كانتا ترافقانها منذ صغرهما، وأثبتت من خلالهما أن الأم الكفيفة قادرة على رعاية أبنائها ومتابعة دراستهم ومرافقة مختلف مراحل دراستهم ونجاحهم. واليوم بسمة أم لشابتين : أميرة في السابعة و العشرين من عمرها كانت ترافق والدتها في مختلف الدورات التكوينية و انخرطت منذ أكثر من 6 سنوات في مجال العمل السياسي، وتشرف اليوم على الشباب و عضوة بالمجلس الوطني لأحد الأحزاب بتونس. وتتابع  آية، ابنة الأربع والعرين سنة دراسات جامعية معمقة في التسويق الاستراتيجي. تأثرت آية هي أيضا بوالدتها وتكونت شخصيتها القيادية لتنظم لنادي رائدات الأعمال الشابات و هي حاليا مكلفة بقسم الدراسات في مؤسسة التسويق المتوسطية.   سلكتا طريقيهما في الحياة بعد أن غرست فيهما بسمة الإرادة و العزيمة للوصول للنجاح رغم كل العوائق. أدوار عديدة تلعبها بسمة التي أصبحت شخصية ملهمة للمحيطين بها وللأشخاص ذوي الإعاقة انطلاق من إيمانها بأن المرأة التونسية جزء من تاريخ تونس ومن إرادة نابعة من ايمانها وعملها على «أن تكون جزءا من هذا التاريخ”.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى