أصدر الكاتب والناقد السينمائي الجزائري عبد الكريم قادري ابن مدينة عنابة رواية جديدة تحمل عنوان “حقيبة واحدة لا تكفي” وتتكون من 177 صفحة، وقام بتصميم الغلاف والإخراج الفني عبد الفتاح بوشندوقة والطبعة مشتركة بين دار ضمة للنشر والتوزيع بالجزائر ودار رشم للنشر والتوزيع بالمملكة العربية السعودية. وتنقل رواية “حقيبة واحدة لا تكفي” وقائع قبل أسابيع قليلة من استقلال الجزائر سنة 1962، من خلال تتبعها يوميات جاك، وهو مدرّس فلسفة في العقد الرابع من العمر، متزوج من ابنة رجل ثري، ومن خلال مكالمة هاتفية واحدة تغيّرت حياته رأسا على عقب، إذ طُلبَ منه المتصل الانخراط في “منظمة الجيش السري” التي تهدف الى التشويش والتخريب ورفض “إتفاقيات إفيان” الموقّعة بين فرنسا والجزائر لإنهاء الحرب.
عزلة جاك الاختيارية قبل تلك المكالمة لم تسمح له بأن يعرف ما يحدث في بلده الجزائر، لهذا تعمّق واقترب أكثر من مجتمعه ليفهم المشهد السياسي الساخن، وأكثر من هذا كان شاهد ميداني على عمليات انتقامية وتصفية وتخريب قامت بها المنظمة في حق الكثير من معارفه، لهذا رفض الانخراط فيها لتوجهها العنيف، خاصة وأنه فهم الكثير من الأشياء السياسية ولو بشكل متأخر، انطلاقا من صديقه القديم الصحفي مايكل سانتوري الذي مات هو الآخر في تفجير مقر جريدته، لتتوالى الأحداث ويكتشف بأن يد زوجته كريستين ملطخة هي الأخرى بدماء الأبرياء.
تغيّرت حياة كريستين بعدها من النقيض إلى النقيض حين عرفت أحد الأسرار التي ما كان يجب أن تعرفها، وهو الأمر الذي جعل زوجها يعطيها فرصة ثانية لتراجع حياتها ومواقفها وعلاقتها مع محيطها، لكن مع تزايد عمليات الانتقام من “الجيش السري” انتشرت الأحقاد في المدينة، ولم تعد كما كانت سابقا، عامرة بالأفراح والمباهج، أصبحت شوارعها بلا روح، وتحولت لساحات اقتتال وتصفية، جعلت الآلاف من الفرنسيين يتركونها ويتوجهون لمرسيليا خوفا على حياتهم، وهو ما حدث مع جاك الذي أرعبوه حين علّقوا على شجرة الخرّوب المقابلة لبيته جثة حركي، ليفهم هذه الرسالة الدموية ويرحل من أرض حملت ذاكرته وذكرياته، لكن عندما يصل إلى فرنسا تنكشف له العديد من الأسرار التي لم يكن ليتخيلها، وأكثر من هذا لم يجد ما كان ينتظره، ليحس وقتها بأنه فقد الوطن الذي كان فيه وأصبح لاجئا على أراضي أجداده القدامى، فرواية “حقيبة واحدة لا تكفي” من الأعمال الأدبية النادرة جدا، لأنها ذهبت صوب الأقدام السوداء، وأعطتهم مساحة ليعبروا من خلالها عن علاقتهم بالجزائر، ونظرتهم إلى الثورة وفرنسا الأم، إضافة إلى سرد مآسيهم وأحزانهم خلال الهجرات الكبيرة التي تعرضوا لها قبل الاستقلال بشهور.
فقرة من الرواية
“كانت أصابعي تتحرّك بخفّةٍ على لوحة مفاتيح الآلة الكاتبة كراقصات باليه، تنساب الكلمات على الورقة دفعةً واحدةً، وكأنّ طيفًا خفيًّا يملي عليّ ما أكتبه، أحسست حينها بعظمة الأفكار التي دوّنتُها، كأنّها كلمات إله، أملاها ملاكٌ على نبيّ. كانت أصابعي ترتعش كلّما وقعت على لوحة المفاتيح. ورغم ارتفاع ضجيج النقرات، لم أكن أسمع سوى صوتِ شهيقي وزفيري. رأيت الكلمات تتحوّل إلى فراشاتٍ زاهية الألوان، تخلّت عن بياض الورقة بفرحٍ وخرجت من النافذة في خطٍّ ملتوٍ كأفعى تزحف على عشبٍ نَديّ. شعرتُ بأنّ قلبي توقّف عن النبض أو كاد، لم أعد أعي ما يدور حولي: واقعي اضمحلّ وتلاشى، وكأنّ الحالة حوّلت جسدي إلى نبتة هندباء تتلاعب بها رياحُ أيلول في فضاء مفتوحٍ”.
عبد الكريم قادري من قامات النقد السينمائي في الجزائر
عبد الكريم قادري هو كاتب وناقد سينمائي، نشر مقالات ودراسات سينمائية في الكثير من المجلات والجرائد والمواقع الدولية، كما حاضر وحكّم في العديد من مهرجانات السينما، وصدر له العديد من الكتب، من بينها: “سينما الشعر/ جدليّة اللغة والسيميولوجيا في السينما” عن منشورات المتوسط بإيطاليا 2016، و”سينما الرؤى/ قراءات ودراسات في السينما العربية” عن منشورات مهرجان وهران للفيلم العربي 2017، و”السينما الشعرية/ أسئلة البناء والدلالة” عن مهرجان أفلام السعودية 2022.